العولمة الظلامية (1998)

100,00 د.م.

    إن ما يثير الدهشة والاستغراب، بالنسبة إلينا، هو أن البلدان العربية ــ الإسلامية، بدلا من أن تتريث قليلا كما نصحنا بذلك في كتابنا الأول الصادر عام 1995 (ص 448) ــ دونما لهث خلف التقليعات الإعلامية أو “موضة العصر” ؛ حتى تكشف لها الضرورات والمستجدات الاقتصادية، النابعة من ذواتها، “زيف” و”شبحية” ما تسميه “بالعولمة الاقتصادية”، وعلى أبعد تقدير “العولمة الثقافية”، وأن الأمر في مغزاه الحقيقي إنما يتعلق “بعالمية” “أمر أعقد من ذلك”، وليس “بعالمية” أو “عولمة” أي شيء سواه، فإنها بدل ذلك، آمنت “بالعولمة ــ الشبح”. وتعاملت معه كما لو كان واقعا ملموسا يتحداها، ويشكل خطرا على حاضرها ومستقبلها. بل ذهبت أبعد من ذلك، حيث عملت على ترسيخه على المستويين الرسميين : سياسيا وأكاديميا. وذلك بعقد عدة ندوات عربية ــ دولية ــ لا تعد ولا تحصى ــ منها ندوة كبيرة تحت شعار : “العلاقات الأمريكية ــ العربية وتحدي العولمة” (في فبراير 1997 بالمغرب). ونضيف أن الفرق بيننا وبين الاقتصاديين والسياسيين البارزين في العالم وسائر المنظرين للنظام العالمي الجديد ــ أو العولمة ــ هو أن هؤلاء إنما يتحدثون عن “مصطلح” أو شبح فقط، وليس عن نظام عالمي؛لأن المفروض في نظام ما، حقيقي وملموس، أن يكون تشريعا مدونا، مكتوبا ومقيَّدا ومقيِّدا، مثله في ذلك، وكحد أدنى، مثل قانون السير، بدرجة تجعل من السهل الاطلاع عليه، إن لم نقل تعريفه والإحاطة به. هذا في الوقت الذي نتحدث فيه نحن عن نظام عالمي جديد كمصطلح وقانون مفصل، أي كدستور ونظام عالمي شامل، له تشريعه الخاص العالمي الموحد والمنتظم ونظام له عدة منظمات أممية وعالمية، وله عدة اتفاقيات عالمية، آخرها “اتفاقية الجات” أو المنظمة العالمية للتجارة، نظام له محاكم ومنابر قضائية ــ أمنية ــ عالمية ، من أولوياتها الآن التصدي لمحاربة الفساد والرشوة والجريمة المنظمة. كما له خبراء “اقتصاديون أو تجاريون” من نوع خاص، وله علماؤه وفقهاؤه، زيادة على قاموسه اللغوي الخاص، وشرطته أو أمنه في كل دولة.. وبكلمة واحدة، تقنياته، إعلامه، مؤلفوه، تشريعه الفعال والموحد، إضافة إلى تمتعه بالقانون المدني والتجاري والجنائي.. فالنظام العالمي الجديد الذي نعنيه هو [نظام كنا سباقين لمطالبة الأمة بإنشائه سنة 1973] الملزم للمنتظم العالمي، والمنتسب إلى المنظمات العالمية (المهتمة)، والمحسوب على المنظمات العالمية (المعنية) وليس النظام “المصطلح” الطافي على سطح الإعلام. فنحن لحد الآن، لم نسمع مثلا، بـ”منظمة عالمية للنظام العالمي الجديد”. كما لم نسمع عن أية آلية رسمية عالمية لتسيير “العولمة” الشبح!